جهود جبارة

جهود جبارة

تكرس المملكة العربية السعودية كل الجهود لتحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزا عالميا للتقنيات
بقلم ميجا ميراني

عندما يتعلق الأمر بمراكز التقنية في العالم اليوم، تعود أصول وادي السيليكون إلى عام 1970 وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، كانت دبي تبني أسسها منذ تسعينات القرن الماضي – أما اليوم، فهناك منافس جديد، قوي وجريء دخل ساحة المنافسة، وتوسع بشكل كبير، متجاوزاً منافسيه.
من المقرر أن تصبح المملكة العربية السعودية أسرع اقتصاد رئيسي نمواً في العالم في عام 2023 - وستعتمد في ذلك على جهود التطوير الجبارة في جميع قطاعات العلوم والتقنية.
المملكة، التي سجلت أسرع معدل نمو اقتصادي بين الاقتصادات الكبرى في العالم في عام 2022 ، ستتفوق على الهند هذا العام - الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 35 ضعف عدد سكان السعودية – حيث من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.6 ٪، في قفزة هي الأكبر منذ ما يقرب عقد من الزمن، وفقاً للهيئة العامة للإحصاء السعودية.

كان النمو في المملكة العربية السعودية مدفوعاً بزيادة الأنشطة النفطية، مدعومة بالارتفاع الحاد في أسعار النفط وكذلك تعافي الطاقة الإنتاجية منذ الركود الناجم عن أزمة كوفيد 19 في عام 2020.
ومن المتوقع اليوم أن تحتفظ أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم باحتياطيات مالية كبيرة وتمضي قدماً في برامج استثمارية طموحة، وفقاً لما ذكره صندوق النقد الدولي في أحدث توقعاته للدولة الخليجية.
وأضافت مجلة إيكونوميست إنتليجنس أوتلوك (Economist Intelligence Outlook) أن المملكة ستعيد تدوير مكاسبها الهائلة غير المتوقعة في قطاع الطاقة على نطاق أوسع من حيث القطاعات والمواقع حيث تسعى إلى زيادة التنويع والنفوذ الاقتصاديين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لقد ضخت المملكة مئات المليارات من الدولارات في رؤية السعودية 2030، والذي يعد برنامجها الواعد للتنويع
الاقتصادي.
وتضع الرؤية الطموحة، التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، التقنية في صميم خطة البلاد للابتعاد عن الاعتماد على النفط، والتحول إلى اقتصاد المعرفة، إضافة إلى أن تصبح المملكة واحدة من أكبر مراكز العلوم والتقنية في العالم.
وعلى هذا الأساس، فإن الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية على التقنية هو الأعلى على مستوى العالم، حيث من المتوقع أن تبلغ قيمته حوالي 24.7 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025 ، وهو ما يمثل 21.7 ٪ من الإنفاق الوطني. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت المملكة العربية السعودية استثمارات بقيمة 6.4 مليار دولار في تقنيات المستقبل العام الماضي.

“ربما واحدة من أكبر المفاهيم الخاطئة عن المملكة العربية السعودية هو أنها ليست سوى دولة غنية بالنفط وافتقارهاالعربية السعودية هو أنها ليست سوى دولة غنية بالنفط وتفتقر لأي صناعة أخرى أو تنمية اقتصادية تستحق الذكر. ولكن في الواقع، هذا أبعد مايكون عن الحقيقة”، على حد قول ماجد جان، الرئيس التنفيذي لقسم المعلومات في شركة بترومين (Petromin Corporation)، وهي مؤسسة رائدة متعددة الجنسيات في المملكة وإحدى شركات مجموعة الدباغ العائلية (Al-Dabbagh Group) التي تأسست في عام 1962 من قبل معالي وزير الزراعة السابق في المملكة الأستاذ عبدالله محمد علي الدباغ: “لقد شهدنا نمواً هائلًا في قطاعاتنا غير النفطية على مدى العقد الماضي، بما في ذلك التقنية والطاقة المتجددة والبناء والتصنيع والسياحة والضيافة”. وفقاً للهيئة العامة للإحصاء، تنمو الأنشطة غير النفطية في السعودية في عام 2022 بنسبة 6 ٪ سنوياً.
وأضاف جان: “هناك فجوة أخرى في التصور تتمثل في أننا اقتصاد غير ناضج مع سياسات غير داعمة لنمو الشركات”، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية هي موطن لبعض من أنجح الشركات في العالم بما في ذلك عملاق النفط الحكومي أرامكو (Aramco)، أكبر شركة عامة في العالم، و سابك (SABIC)، واحدة من أكبر منتج  البتروكيماويات في جميع أنحاء العالم.

“في المقابل، تفتخر المملكة بعملة قوية، ومعدل تضخم منخفض، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي،جميع أنحاء العالم. “في المقابل، تفتخر المملكة بعملة قوية، ومعدل تضخم منخفض، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤسسات مالية قوية تدعم الاستثمارات الأجنبية من خلال حوافز ضريبية سخية”، تابع جان. “واحدة من أعظم مزايا الاستثمار في المملكة العربية السعودية هي أنه يمكنك التأكد من أن أموالك ستكون آمنة بسبب اللوائح الحكومية الصارمة”. نفذت المملكة العربية السعودية عدداً قياسياً من إصلاحات الأعمال في السنوات الماضية، مما أكسبها مكانة في قائمة أفضل ( 10 ) دول أجرت إصلاحات اقتصادية جذرية في تقرير أداء الأعمال لعام 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي (World Bank Group).
وأشار جان إلى أن الحكومة السعودية تعاونت مع كبار اللاعبين العالميين لوضع معايير عالية للشركات العاملة في المملكة من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية الحديثة، بما في ذلك توفير أحدث حلول تخزين البيانات الرقمية مع الحماية والأمان الأمثل.
وقال جان: “يشهد هذا تقدماً سريعاً لتعزيز قدرة المملكة على تقديم خدمات الحوسبة السحابية للشركات العالمية، وخدمات المستهلكين والشركات الناضجة محلياً، والتي تغطي الخدمات السحابية والأمن السيبراني والتقنية المالية والتجارة الإلكترونية”. “مع تدفق الاستثمارات الأجنبية والموارد التقنية الحديثة، نحن مستعدون لأن نصبح رواداً في صناعة التقنية العالمية في المستقبل القريب. وتشمل هذه الاستثمارات تطوير مراكز البحوث والبيانات التي تمكن ريادة الأعمال من اللاعبين الرئيسيين بما في ذلك أمازون (Amazon) وأوراكل (Oracle) وغوغل (Google) و سوفت بانك (SoftBank) ومايكروسوفت (Microsoft)."

وتشمل الاستثمارات البارزة أيضاً إنشاء منصة التجارة الإلكترونية العالمية العربية كابيتال (eWTPA), وهي صندوق بقيمة 400 مليون دولار يدعمه صندوق الاستثمارات العامة السعودي لبناء نظام بيئي رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال الشراكة مع شركة علي بابا (Alibaba) العالمية العملاقة وغيرها من الشركات الصينية الرائدة، لتوفير بوابة لتأسيس تواجدها في المنطقة. وقال جان: “لدينا اعتقاد جديد بأن “البيانات هي نفط القرن الحادي والعشرين”، والذي سلطت عليه الضوء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي السعودية في سعيها لوضع المملكة كدولة رائدة عالمياً في رابطة النخبة للاقتصادات القائمة على البيانات”. “في بترومين (Petromin)، تتمثل رؤيتي في تسهيل حلول التنقل الشاملة لدينا بأحدث التقنيات لتبسيط رحلات العملاء في المستقبل. سيقوم برج التحكم الرقمي الخاص بنا ببناء لوحات معلومات ومنصات تقارير قائمة على ذكاء الأعمال وفق أحدث التقنيات، والتي ستعزز بدورها في المقام الأول سهولة صنع القرار، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لأي مؤسسة. البيانات هي المستقبل، وبدون البيانات الصحيحة، ليس لدينا سند آخر نعتمد عليه. لقد نجحنا أيضاً في نشر مشاريع أتمتة العمليات الروبوتية داخل مؤسستنا، والتي أظهرت تحسيناً جديراً بالثناء بنسبة 200 ٪ في الكفاءة والإنتاجية. وعلى سبيل المثال، الفاتورة التي استغرقت سبع أو ثمان دقائق للمعالجة، تستغرق دقيقتين إجمالًا، مع انخفاض كبير في ساعات عمل الموارد البشرية وفرص حدوث الأخطاء”.

في عام 2021 ، أعلنت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية عن إطلاق صندوق شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة 15 مليار دولار لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات في البلاد. تم بالفعل استثمار ما يقرب من 4 مليارات دولار في البنية التحتية الرقمية، مع التركيز على إنترنت الأشياء الصناعي والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومراكز البيانات. كما أعلنت المملكة عن خطط لتحسين خدمات الجيل الخامس من خلال توفير طيف إضافي بسرعة 23 جيجاهرتز. وجدت دراسة أجريت في عام 2020 أن شبكة الجيل الخامس السعودية كانت الأسرع عالمياً من حيث متوسط سرعة التنزيل. كما قامت الحكومة بتطوير البنية التحتية الأساسية التي تدعم تطوير المفاهيم المبتكرة في القطاع المالي، كما أشار عبد العزيز الدهمش، العضو المنتدب للمملكة العربية السعودية في شبكة المدفوعات الرقمية الرائدة – نتورك إنترناشيونال (Network International)

وقال الدهمش:” تجدر الإشارة أن نظام الخصم المحلي السعودي في الشبكة السعودية للمدفوعات مدى (MADA)، وهي مبادرة رائعة من قبل الحكومة”. “إن تسليم نظام الدفع الفوري المعروف باسم النظام السعودي للتحويلات المالية السريعة (سريع SARIE) هو أيضا أحد المحركات الأولى للمملكة. جزء آخر من البنية التحتية للمدفوعات يشمل النظام الوطني لسداد الفواتير الإلكترونية (سداد SADAD) ، الذي أنشأته مؤسسة النقد العربي السعودي (سما)، المعروف الآن باسم البنك المركزي السعودي، والذي نجح في تحويل جميع المدفوعات الحكومية لتصبح إلكترونية. في الوقت الراهن، يمكن إكمال ما يقرب من 95 ٪ من الخدمات الحكومية رقمياً دون الحاجة إلى زيارة واحدة لأي جهة حكومية. كما يمكن إجراء جميع المدفوعات الحكومية رقمياً”.

دخلت نتورك إنترناشيونال (Network International) -المدرجة في بورصة لندن- السوق السعودية المزدهرة في عام 2022 باستثمار أولي قدره 10 ملايين دولار أمريكي وتخطط لتوليد ما يقرب من 50 مليون دولار سنوياً من الإيرادات. وقال الدهمش: “باعتبارها واحدة من أوائل الشركات المحركة في سوق المملكة العربية السعودية، حصلت نتورك إنترناشيونال (Network International) على موافقة البنك المركزي لإدخال قبول الدفع المبتكر”. “نحن نقدم نماذج أعمال جديدة للمؤسسات المالية التي تدعمها لتصبح أكثر مرونة في التسليم، وتقلل من استثماراتها في الإنفاق الرأسمالي، وتعزز كفاءاتها التشغيلية في مجال المدفوعات. كما نعمل عن كثب مع العملاء لتلبية احتياجاتهم الفورية والمستقبلية مع تطوير منتجات وخدمات دفع مبتكرة. عادة، تتراوح دورة تطوير المنتج بين أربعة إلى ثمانية أشهر تقريباً في سيناريو جيد، بينما يمكن تقديم المنتج القياسي داخل نتورك إنترناشيونال (Network International) في غضون أسابيع.” كما أشار الدهمش، وهو موظف سابق في البنك المركزي السعودي (سما)، حيث لعب دورا رئيسيا في تطوير مدى (MADA)، التي وضعت حجر الأساس للنمو غير النقدي في البلاد، إلى أن البيئة التنظيمية القوية والمشجعة في المملكة كان لها دور أساسي في دفع الابتكار في مجال التقنية المالية وجذب الاستثمار. وأشار أيضاً: “أن قيام كل من البنك المركزي السعودي (سما) وهيئة السوق المالية (CMA) بإدخال البيئات التجريبية (ساندبوكس) هو شهادة على استعداد المنظمين لاختبار أفكار جديدة مع [تطوير] القواعد واللوائح”، مضيفاً أن سكان المملكة البالغ عددهم حوالي 35 مليون نسمة لديهم واحد من أعلى معدلات اعتماد التقنية المالية في المنطقة. “تعد استراتيجية التقنية المالية ركيزة جديدة في برنامج تطوير القطاع المالي لرؤية المملكة 2030 ، وتعد إضافة استراتيجية مستقلة للتقنية المالية مؤشرا صريحا لا لبس فيه على وزن وأهمية التقنية المالية للحكومة، من منظور استراتيجي ومركزي. لم أر استراتيجية وطنية مفصلة مع مؤشرات أداء رئيسية وواضحة مماثلة لهذه الاستراتيجية في أي مكان آخر. ستكون استراتيجية التقنية المالية هذه أساسية لتسريع نمو الاقتصاد الرقمي العام للبلاد”.

تخطط الحكومة السعودية لمضاعفة عدد شركات التقنية المالية في المملكة ثلاث مرات بحلول عام 2025 بموجب استراتيجيتها الوطنية، بهدف تحويل الرياض إلى عاصمة عالمية للتقنيات المالية تتنافس إلى جانب لندن وسنغافورة. وتسعى الاستراتيجية إلى زيادة مساهمة قطاع التقنية المالية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.2 مليار دولار. وفقاً للاستبيان الوطني لاعتماد التقنية المالية في المملكة العربية السعودية، قفزت قيم معاملات التقنية المالية بأكثر من 18 ٪ بين عامي 2017 و 2019 على أساس سنوي، لتصل إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2019 ، ومن المتوقع أن تتجاوز عتبة 33 مليار دولار في عام 2023. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يساهم تطوير الخدمات والحلول المالية القائمة على التقنية في تمكين القطاعات الأخرى في المملكة بما في ذلك التجزئة والضيافة والعقارات. ومن المتوقع أن يساهم الابتكار في هذه القطاعات في زيادة الأصول الخاضعة للإدارة لتصل إلى 50 ٪ بحلول عام 2030.

“تستضيف المملكة العربية السعودية أكثر من 60 شركة للتقنيات المالية، وقد سجلت بعضاً من أعلى معدلات اعتماد المدفوعات غير التلامسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ارتفعت من 4 ٪ في عام 2017 إلى 94 ٪ في نهاية عام 2020 ”، قال علي بيلون - المدير العام الاقليمي لشركة فيزا في مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي - المملكة العربية السعودية والبحرين وسلطنة و عمان -: “بصفتها شبكة موثوقة ورائدة في مجال المدفوعات الرقمية في المملكة، وتفخر فيزا (Visa) بأن تكون جزءاً من القفزات العملاقة التي حققتها صناعة المدفوعات الرقمية في المملكة، بما في ذلك إطلاق حل “انقر للدفع” (Click to Pay) من فيزا (Visa) للمستهلكين و “انقر للهاتف” (- Tap-to Phone) بالشراكة مع المدفوعات السعودية، مما يمكن التجار- وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة - من قبول المدفوعات دون تلامس عبر أجهزة الهواتف الذكية. في فيزا (Visa) ،نعتقد أن الاقتصادات التي تشمل الكل أينما كانوا، ستطور وتحسن الكل أينما كانوا”.

في عام 2022 ، وسعت فيزا (Visa) برنامج الابتكار العالمي، مبادرة فيزا في كل مكان (Visa Everywhere)، إلى المملكة لأول مرة لدعم مشهد التقنية المالية المحلية. وأضاف بيلون:” بالنظر إلى عام 2023 ، ستفتتح فيزا Visa) ) مركزاً رائداً للابتكار في الرياض بالمملكة العربية السعودية، والذي نتصور أن يصبح مركز التحول في المملكة لحلول الدفع والخبرات من الجيل القادم”. كما وسعت فيزا (Visa) مبادرتها الرائدة التالية (She’s Next) لتشمل المملكة، والتي تهدف إلى تمكين رائدات الأعمال السعوديات اقتصادياً.
وقالت الدكتورة سعيدة جعفر، نائب الرئيس الأول ومديرة مجموعة فيزا (Visa) في دول مجلس التعاون الخليجي: “تنفذ المملكة العربية السعودية مجموعة واسعة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مما يوضح للعالم كيف يمكن للابتكار المزعزع أن يكون حافزاً قوياً للتغيير”. “من خلال تبني التحول الرقمي، وبناء نظام بيئي لريادة الأعمال يعزز كلًا من الشركات الناشئة الجديدة والشركات ذات النمو المرتفع، وتعزيز قطاع مالي أكثر شمولية. كانت المملكة العربية السعودية في طليعة المستفيدين من قوة الابتكار لتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار. ويقترن ذلك مع الفئة الشابة المتحمسة للتقنية في المملكة، لنحصل على واحدة من أكثر المناطق إثارة في العالم في مجال المدفوعات”.
مع ثلثي سكانها الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، تمتلك المملكة العربية السعودية فرصة غرس التقنية في مسيرة التقدم في البلاد، واتخاذ خطوات كبيرة لتصبح وادي السيليكون المقبل. بلغ معدل انتشار الإنترنت في السعودية حوالي 98 ٪ في بداية عام 2022 ، حيث يعد سكان المملكة من بين الأكثر اتصالًا في العالم. في غضون ذلك، تخطط المملكة أيضاً لبناء العديد من المدن الذكية الضخمة التي ستجلب التقنية الرائدة الأكثر زعزعة في العالم إلى السعودية، مما يجعلها من أوائل المتبنين ومركزاً عالمياً للابتكار حيث يجتمع رجال الأعمال ورواد الأعمال للبحث عن الأفكار الرائدة واحتضانها وتسويقها.

يهدف مشروع نيوم (NEOM)، الذي تم وصفه بأنه مسرع للتقدم البشري، وهو مشروع مستقبلي بقيمة 500 مليار دولار يقع على ساحل البحر الأحمر، إلى أن يصبح “مختبراً حياً” ونموذجاً جديداً للحياة الحضرية المستدامة عند اكتماله في عام 2030 . يتم تصميم ذا لاين (The Line)، المشروع الرئيسي في نيوم (NEOM) ، وهو حزام بطول 105 أميال من المجتمعات شديدة الارتباط، لمعالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً التي يواجهها المجتمع اليوم: الاستدامة والترابط والحاجة إلى إعادة التفكير في علاقة البشرية بالطبيعة والتقنية. بصفته أحد الأفكار الأساسية لرؤية 2030 ، يهدف ذا لاين ) The Line ( إلى المساهمة بمبلغ 48 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي مع خلق 380,000 وظيفة جاهزة للمستقبل بحلول نهاية العقد. كما تم تصميم مشاريع أخرى شديدة الضخامة في المملكة، بما في ذلك مدينة القدية الترفيهية (Qiddiya Entertainment City)، ومشروعي البحر الأحمر (Red Sea) وأمالا (Amaala) والعلا (Al Ula) والدرعية (Ad Diriyah) وحديقة الملك سلمان (King Salman Park) كوجهات ذكية. وقال هتان أحمد، رئيس قسم ريادة الأعمال في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية: “يرى الكثيرون أن هذه المشاريع الضخمة هي تطوير عقاري أو سياحي ضخم، ولكن إذا نظرت إليها بشكل أعمق، ترى أن هذه المشاريع هي أكثر بكثير من مجرد تطوير للعقارات أو الوجهات السياحية”. “إنهم يطورون نوعاً جديداً من البناء لإنشاء أنظمة مستدامة بالكامل وصديقة للبيئة. أحد العوامل الرئيسية التي أوصلتنا إلى حالة الاحتباس الحراري اليوم هي الثورة الصناعية، التي تم تطويرها بطريقة خاطئة للغاية على مدار ال 150 عاماً الماضية، بناء على مصادر الطاقة التقليدية الضارة جداً بالبيئة. الآن، العالم في نقطة تحول لتصحيح الوضع، وهذا ما تفعله السعودية كدولة من خلال جذب أفضل العقول والتقنية، والأفكار الأكثر تقدماً”.


وأضاف أحمد أن الدولة الصحراوية تتجاوز كل حدود مشاريع التطوير الضخمة لتكون مستدامة على جبهات متعددة. وقال: “إن تشغيل مدينة بهذا الحجم مثل نيوم (NEOM) باستخدام الطاقة النظيفة أمر استفزازي لكثير من اللاعبين، وخاصة الدول المنتجة لمصادر الطاقة التقليدية”. “وضعت القيادة في المملكة في وضع جيد حقاً كأرض محايدة للفرص الناشئة التي يدعمها الاستقرار المالي الكبير والدعم الحكومي والنمو المالي - كما رأينا في الإعلان الأخير عن السنة المالية، والزيارات الأخيرة من الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ - جذب المستثمرين العالميين إلى المنطقة كأرض محايدة لاغتنام الفرص الناشئة”.
تتداخل خارطة الطريق الخاصة بفرص التقدم التقني بشكل استراتيجي مع الركائز البحثية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، والتي تشمل التركيز على التقنية الرقمية والطاقة والاستدامة والصحة والعافية والتقنية الحيوية وتقنيات العلوم الحيوية الحاسوبية. وقال أحمد: “نحن نعمل كعمود فقري لمثل هذه المبادرات [التنموية الضخمة] والتقدم التقني”. “نحن حريصون جداً على أن نكون قلب التقنيات العميقة للبلاد، حيث لدينا بنية تحتية كبيرة من حيث القدرات المختبرية، ومجموعة مذهلة من المواهب من حيث قوة البحث، وعقول مذهلة من حيث القدرات. لدينا موهبة مذهلة في البلاد وفي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهذا أحد الدوافع الرئيسية. مجموعة المواهب في البلاد حريصة على الإنجاز والتعلم والمساهمة في صنع المستقبل. نحن نطمح حقاً إلى أن نكون ميزة كبيرة، لكي تكون البلاد مركزاً لإنشاء التقنية ليس فقط على المستوى المحلي أو الإقليمي ولكن على نطاق عالمي”.

ومع ذلك، قال أحمد إن المملكة العربية السعودية، في رأيه، لا تحاول تقليد وادي السيليكون، منوهاً إلى أن: “الأشياء التي حدثت في بوسطن ومنطقة باي رائعة للغاية، وقد تطورت على مدار السنوات السبعين الماضية”. “يقول بعض الناس في بعض الأحيان أننا نحاول تقليد أو نسخ ما يحدث في تلك المناطق. من وجهة نظرنا، لا نريد حقاً التقليد أو النسخ، لأنها شهدت التطوير والابتكار على مدى فترة زمنية طويلة جداً. الطريقة التي أراها هي أننا نلعب على نقاط قوتنا للمساهمة في التحديات العالمية [من خلال] جزء من التغيير، [ثم] تصدير [حلولنا] والتقنية. نحن منصة اختبار للتقنيات داخل البلاد في مراحل مختلفة، وبعد ذلك، نهدف إلى أخذ زمام المبادرة في تلك التقنية. انه سباق عالمي لاكتشاف المجهول، وتطوير هذا النموذج الجديد من العقارات والتنمية الصناعية. نطمح أن نطور رحلتنا ونقاط قوتنا الخاصة، لأنه لا يزال هناك الكثير لاكتشافه”. في عام 2021 ، أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية دورة مغامرات ريادة الأعمال، وهي دورة مفتوحة عبر الإنترنت باللغة العربية لتنمية العقليات المبتكرة ليس فقط لرواد الأعمال الطموحين، ولكن أيضاً لدفع موظفي القطاعين العام والخاص إلى حل المشكلات باستخدام نهج ريادة الأعمال. وأشار أحمد إلى أن “هدفنا كان الوصول إلى 10,000 مشترك في السنة الأولى، ولكن كان لدينا أكثر من 100,000 متعلم من 78 دولة”.

تدرك رؤية 2030 بعمق أهمية الابتكار وريادة الأعمال كقوة اقتصادية، ويعد تطوير الشركات الناشئة أحد أهم أولوياتها، مع ضرورة زيادة مساهمات الناتج المحلي الإجمالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من 20 ٪ إلى 35 ٪ بحلول عام 2030 . لقد قطعت المملكة خطوات كبيرة لتحسين ظروف ازدهار رواد الأعمال. أفادت دراسة أجرتها شركة سعودي فينشر كابيتال إس تي فيه (Saudi Technology Venture (STV)) عام 2022 أنه من المتوقع أن تخرج أكثر من 45 شركة بقيمة لا تقل عن 1 مليار دولار - من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2030 ، بقيادة المملكة العربية السعودية. كما أشار تقرير إس تي فيه (STV) إلى أنه جنباً إلى جنب مع رؤية 2030 التي تعطي الأولوية لريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن مزيجاً من الطلب القوي على المنتجات التقنية، والحلول التقنية السعودية الناجحة، فضلًا عن زيادة وجود المؤسسات الحاضنة، وسهولة بدء الأعمال التجارية، ورأس المال الجريء، ساهمت جميعها في ازدهار النظام البيئي المحلي. وفقاً لتقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة (Global Startup Ecosystem Report) لعام 2021 ، فإن النظام البيئي للشركات الناشئة في الرياض وحده في طريقه إلى أن يصبح قوة ناشئة في مجال التقنية، وينضم إلى أفضل خمسة أنظمة بيئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقيمة 1 مليار دولار.

وأنشأت بعض أكبر شركات رأس المال الجريء في وادي السيليكون بالفعل مكاتب في الرياض ومدن رئيسية أخرى في البلاد، بما في ذلك شركة الاستثمار بلج آند بلاي تك سنتر (Plug and Play Tech Center)، وهي واحدة من أوائل المستثمرين في باي بال (PayPal)  وغوغل  ،(Google) وشبكة تيم درابر (Tim Draper) العالمية لصناديق رأس المال الجريء التي تشمل استثماراتها بايدو  (Baidu) وسكايب (Skype) وهوتميل (Hotmail) وتيسلا (Tesla) وسبيس إكس  (SpaceX).
وفي الوقت نفسه، وفقاً لتقرير ماغنيت (MAGNiTT)  السنوي لأسواق المشاريع الناشئة السنوي لعام 2022 ، كانت المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي شهدت زيادة في تمويل الشركات الناشئة خلال العام. في حين شهدت معظم المناطق الجغرافية انخفاضاً في التمويل على أساس سنوي، تجاوزت زيادة السعودية بنسبة 72 ٪ إلى 1 مليار دولار تمويلها الإجمالي للسنوات الأربع الماضية.

وقال الدكتور عبدالرحمن العليان، الرئيس التنفيذي لشركة وادي الدمام (Dammam Valley)، وهي شركة استثمارية شبه حكومية، مملوكة فقط لجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، التي تسعى جاهدة لتكون مصدراً ووجهة للابتكار في مجال التقنية الحيوية والرعاية الصحية في الشرق الأوسط: “نحن لا نرى فقط الشركات الناشئة من جميع أنحاء العالم تأتي إلى السعودية للحصول على التمويل، ولكن أيضاً المؤسسين ورجال الأعمال السعوديين الذين ينمون من النظام البيئي السعودي”. قال الدكتور العليان: ”هناك عدد من الشركات المليارية”. “وحتى بالنسبة للتقنيات الناشئة مثل سلاسل الكتل “بلوكتشين” وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، هناك عدد من حالات الاستخدام والأمثلة الحقيقية التي تحدث محلياً. أعتقد أن الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم يدركون التغييرات التي تحدث في السعودية والمنطقة, تساعد أحداث مثل كأس العالم على تقديم السعودي الجديد للعالم, أعتقد أنه في غضون السنوات الخمس إلى العشر القادمة ستصبح السعودية مركزاً تقنياً عالمياً رئيسياً للشركات الناشئة والمؤسسين والمبتكرين.”
وقال الدكتور العليان إن برنامج الشركات الناشئة في مجال التقنية الحيوية لدى شركة وادي الدمام (Dammam Valley) الذي تم إطلاقه في عام 2022 استقبل أكثر من 130 شركة ناشئة من 15 دولة مختلفة. وقال: “إنهم يتطلعون إلى السعودية كسوق شابة قوية ذات مزايا فريدة, إن جلب أفضل العقول والموارد لهذه الصناعة سيساعد النظام البيئي على سد الثغرات”. مع كل ما يحدث في المملكة العربية السعودية الآن، قال بدر ورد، الرئيس التنفيذي لشركة لمسة (Lamsa) ، مطور التطبيق التعليمي الترفيهي الرائد للأطفال في المنطقة، إن أولئك الذين يعتقدون أن البلاد مجتمع مغلق ومحافظ مع فرص محدودة للأعمال والابتكار سيجدون أنفسهم مخطئين للغاية.

وقال أيضاً: “بشكل عام، من المهم الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية دولة ديناميكية وسريعة التطور ومنفتحة على الأعمال والابتكار وتعمل بنشاط على خلق بيئة داعمة ومرحبة للمستثمرين والشركات الأجنبية”, “في السنوات الأخيرة، بذلت البلاد جهوداً كبيرة لفتح وتحديث اقتصادها ومجتمعها, وقامت المملكة العربية السعودية بعدد من الإصلاحات لبيئة أعمالها لجعلها أكثر جاذبية, وهذا يشمل أشياء مثل تبسيط عملية بدء عمل تجاري، وتوفير إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى للشركات التي تستثمر في البلاد، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة مصممة لجذب الاستثمار الأجنبي”. وأضاف ورد أن البلاد تستثمر بكثافة في برامج التعليم والتدريب لتطوير قوة عاملة ماهرة ومتعلمة مناسبة تماماً لدعم نمو قطاع التقنية. كما سلط تقرير إس تي فيه (STV) الضوء على أن القوة الاقتصادية السعودية وحجم السوق يسمحان أيضاً للشركات الناشئة بالتوسع بشكل كبير. تعتبر لمسة، التي تم إطلاقها في عام 2012 في المملكة العربية السعودية، أن المملكة هي أكبر سوق لها، حيث تمثل 40 ٪ من جميع تنزيلات التطبيق. وأضاف ورد:” يبلغ عدد سكان السعودية أكثر من 32 مليون نسمة، وتتمتع بموقع استراتيجي على مفترق طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا”. “هذا يجعلها وجهة جذابة لشركات التقنية التي تتطلع إلى الوصول إلى سوق كبير ومتنوع”.

مع فائض الثروة النفطية، والبنية التحتية الحديثة، والوصول إلى الأسواق العالمية، والتركيز الشديد على البحث والابتكار، والنظام البيئي النابض بالحياة لريادة الأعمال - يبدو أن المملكة العربية السعودية قد خلقت المناخ المثالي لازدهار التقنية والأفكار الجديدة، تماماً كما فعل وادي السيليكون قبل بضعة عقود. وقال جان رئيس قسم المعلومات في بترومين: “بالنسبة لكثير من الناس، تستحضر البلاد صوراً لرمال الصحراء وحقول النفط. ربما كنا محاطين بالغموض لسنوات عديدة، لكن موقفنا الاستراتيجي سرعان ما أصبح معروفاً في جميع أنحاء العالم”. يمكن أن يكون وادي السيليكون التالي على السعودية.


Share on:

Popular articles

Discover the most outstanding articles.

The future is now

Harnessing the power of digital twins to reimagine cities across the KSA and beyond. According to PwC’s 2022 report,

10 min read

At the forefront of innovation

How Riyadh-based The Garage is contributing to a flourishing startup culture in Saudi Arabia  In the heart of Riyadh, nestled

6 min read

Reaching for the stars

Saudi astronauts Rayyanah Barnawi and Ali Alqarni make history in giant leap for the kingdom. From earthbound dreamers to cosmic

7 min read